طبيعي أن مقاييس الخير عند البشر مختلفة عن مقاييس الخير عند خالق البشر، فكل مخلوقات الكون تحمل الخير والشر معاً، فلا وجود لشر مطلق أو خير مطلق وعندما أوجدنا الله في هذه الحياة خلقنا ونحن لا نحمل أي ضغينة أو حقد وأمرنا أن نترفق ونتعاون ونتسامح ونحب ونعفو ونحسن الظن بالآخرين، ونحن في هذه الحياة نلعب الدورين إما قوي أو ضعيف وكلنا طرف في هذه المعادلة، فالصراع دائم بين الخير والشر، وكلاهما لا يكف عن ملاحقة الآخر، فالشر يسعى لتأكيد وجوده وفرض هيمنته والخير يصارع من أجل البقاء في تلك المواجهة الشرسة، وقد ينتصر الشر في البداية، لكن سرعان ما يحول الخير هزائمه إلى انتصارات ليؤكد دائما أن الأصل في الدنيا هو الخير. أما الشر فهو الاستثناء وما يدلنا على هذا الاختلاف أن هناك بعضاً ممن نقابلهم من الوجوه الجميلة مع الأسف لا تعكس لنا سوء أعماقها فنخدع بهم وننبهر بجمالهم، وبعد التعامل معهم نصدم فيهم وقد نصادف وجوهاً لم يمنحها الله جمال الظاهر فنظلمهم بحكمنا ولكن بعد عشرتنا لهم نعرف كم تمتلك أعماقهم الكثير من حسن الطباع والطيبة والنقاء والجمال، وهناك ممن نقابلهم تبدو على وجوههم علامات التقوى والصلاح ويتحدثون طوال الوقت عن الأمانة والصدق وهم ابعد ما يكونون عن ذلك، فهم يقولون ما لا يفعلون، فهناك وجه سمح متواضع يدخل إلى أعماقك دون استئذان، وهناك من يعكس وجهه صورة المتعجرف المتغطرس المتكبر وتشعر في عينيه بكل حقد وحسد يطبع ما بداخله على مظهره ويجهل الإنسان الحقود الحسود بأنه يفسد على نفسه الشعور بالأمان النفسي وينعكس ما في أعماقه على تقاسيم وجهه، لأننا عندما نطهر أعماقنا من الحسد والحقد والغيرة والأنانية تصفو لنا الحياة وتصفو وجوهنا وتتجمل ملامحنا، فالحسود يكون اشد نكداً وغماً من محسوده فهو يصاب بالهم والغم كلما رآه سعيداً كما وأن هناك عينة تتفنن في التقليل من شأن الآخرين أو الاستهانة بقدراتهم والحط منهم؟ وهناك آخرون برعوا في إرهاق غيرهم دون وعي وبصيرة بعواقب الأمور وكأنما يتلذذون بالضغط عليهم من خلال ممارسة قوتهم ويظنون أنهم يكسبون قيمة إنسانية رفيعة وعالية.
وهناك الكاذب والمراوغ والمناور والانتهازي الذي يعتبر غيره أداة لتحقيق أهدافه فيعيش حياته عالة على الآخرين.
كل أولئك هم أشخاص عاجزون تتسم شخصياتهم بالضعف فيحملون من النقائض ما يخجلون منه ويلجأون بكل السبل لإفساد حياة غيرهم ويسببون لهم الهلع والخوف فقلوبهم باتت كالحجارة بل اشد قسوة لم يفكروا إلا في دنياهم الفانية غير مقدرين لعواقب ما تجنيه اعمالهم بسبب الحقد والكره والبغض وتغلب الشر في نفوسهم.
وإني أرتجف رهبة كلما تذكرت قول الحق سبحانه وتعالى في الحديث
القدسي «وعزتي وجلالي لأنتقمن ممن رأى مظلوماً قدر على مساعدته ولم يفعل» فمساندة المظلوم إذن ليست أمراً انسانياً بقدر ما هي أمر إلهي ليس فيه نقاش أو استفسار أو تردد. ولو تمعنا في مغزى الحديث ووعيناه في وقتنا الحاضر ترى ماذا نجد؟.. حدث ولا حرج
فنحن لا نقدر خطورة السكوت أو التهاون عن الظلم ونفعل ذلك، اما لخوفنا من النتيجة الدنيوية وما ستجلبه لنا من مشاكل نرى أننا في غنى عنها أو خوفاً على مصالحنا أو وظائفنا أو نقول ما لنا وماذا سنستفيد لو تكلمنا والأمر لا يعنينا، مع علمنا بأن الساكت عن الحق شيطان اخرس وفي بعض الحالات يدفع القهر والظروف القاسية بالآخرين إلى الانتقام ولكن ليس هذا مبرراً كافياً، فالخيط الرفيع الذي يفصل بين الخير والشر وبين الظالم والمظلوم وبين العنيف والمسالم وبين القوي والضعيف خيط واهن مثل خيط العنكبوت يقوى بالدين وبالضمير ليصبح أقوى من الفولاذ، ولكن يذوب الخيط ويتلاشى إذا انحدر من قلب قد علاه الصدأ.
مواقع النشر (المفضلة)