ما أجمل أن يكون الإنسان قد ترك من بعده ذكرى طيبة وجميلة، وما أجمل أن يكون الإنسان ذكراه عطرة ومشهوداً له بالخير وعمل الخير. ومهما يكن في الأمر فإن الإنسان مهما وصل إلى أعلى المناصب الوظيفية، وأصبح من أصحاب رؤوس الأموال، ففي نهاية الأمر ذاهب عن هذه الدنيا ولن يرافقه إلا عمله الصالح فقط!
والتواضع أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبي قبلت منه ولو سمعته من فقير وجاهل قبلت منه، والتواضع فيه خير كثير للفرد والمجتمع ويكون أقرب إلى الناس بعكس (المتكبر) فإنه بغيض إليهم ثقيل عندهم. والمتواضع كلما (اقترب) إلى الناس زادت درجات محبتهم له، بل يكنون له الاحترام ويتبادلون معه بكل مقومات أدبيات الحوار والأخلاق.
الشخص المتواضع من يعامل الناس معاملة حسنة وبلطف ورحمة ورفق ولين جانب، ولا يتكبر على أحد، ولا يزهو على مخلوق، ولا يصور نفسه بالعظمة والتعالي ويسيق وراء المظاهر الخداعية ويكون مرافاً للفقير بحديثة ومجالساً معهم ويجيب دعوتهم ويكون متصلاً مع الآخرين ومن مختلف الجنسيات والمجتمعات. بل هناك من يتواضع بأخذ النصيحة ممن يصغره سناً، ويقبل بالرأي من يقل منه جاهاً ومالاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) أخرجه مسلم.
ونحن مع اختلاطنا بالآخرين بكثير من المجتمعات شاهدنا من (يتكبرون) ويعيشون مع أنفسهم بحب التعالي ويعتقد أن ما يحمل من شهادات عليا ونيله الدكتوراه قد يكون سبباً لما هو عليه من التجني على الآخرين. له الحق أن يعجب كثيراً بنفسه، وله الحق ألا يقبل بأي وظيفة تكون غير مواكبة لشهادته، ولكن أن لا يتكلم مع الفقير ولا لضعيف ولا يخالطهم بسبب ما حصل عليه، فهنا نترحم على حاله وعلى ما وصل إليه من جهل!
والمتكبر ك(المغرور) كثيراً ما تفوته الحقائق والمعارف، وكثيراً ما يتعالى عن معرفة الحقيقة، لماذا؟!
لأنه تأبي عليه نفسه أن يأخذ الحق من أهله، وتأبي عليه ذاته أن (ينزل) نفسه للآخرين وخاصة من يقلون عنه بالكثير مما يملكه (حسب) تعبيره!
وهناك من يبتعد عن مخالطة الآخرين ولا يلبي دعواتهم، حتى في مناسبة تعنيه من زواج ابنه أو ابنته، لا يوجه الدعوات حتى للقريبين له، ويكون فكره منصباً على أصحاب المال والمناصب فقط، ويكون قاطعاً للرحم ولا يزور المريض ولا القريب خاصة (الطاعن في السن)، وحتى أنه يمنع عائلته من الاختلاط بأناس آخرين، ويزرع شيئاً من الكبر بأفكار أبنائه وأفراد أسرته بعكس ما كان ينبغي عليه أن يفعله وهو التهذيب العائلي والتربية الحسنة واحترام الآخرين.
وليعلم كل (متكبر) بأن الله قادر على أن يعكس الصورة التي هي عليه من غنى إلى فقر ومن تكبر (إلى رداءة النفس)!
وما هي الفائدة من (حوزتك للمال الكثير) وأنت لم تساعد المحتاج ولم تتصدق ولم تخرج الزكاة؟
وما هي الفائدة من الشهادات وأنت تتعالى على الموظفين وعلى الطلاب إن كنت أحد منسوبيها ولا تساعد من يحتاج المشورة من علم وغيره؟
وما أجمل الصورة والتي وضعها من يملك المال ومن نال الشهادات بأن يكون مخالطاً للناس ما سوف يلقى وما هي نتيجة ما زرع؟
سوف يلاقي الألفة والمحبة والإقبال عليه وحسن المعاملة، بل سوف يجد ما كان يرسم له (المتكبر) وهو الاحترام من قبلهم اتجاهه، وسوف يجد الدعاء له من قبل الفقراء والمحتاجين لأنه رأى ما يصيبهم من الشقاء وما يمسهم من الجوع وأنهم يريدون أن يكتسوا من العري، فيكون بينه وبين نفسه الرحمة، ويقوم من غير (رياء) بإعطائهم المال ويسد حاجتهم بالأطعمة ويزرع الابتسامة لهم ومع عطفه لهم يزيدون بالدعاء له، وهذا العمل والأجر العظيم هو الذي سوف يلاقيه عند ربه بعد قبوله.
وكما قيل (الغنى غنى النفس) وليس غنى المال، فهناك من تعزه نفسه من أن يمد يده للآخرين فلا نسميه (متكبراً) ولكن يحيط به كثير من الحياء وقد يعيقه ذلك عما تهوى به النفس من المسكن والمأكل والمشرب، وكما تنظر إلى الناس بأنهم لا شيء فهناك من ينظر إليك بالمثل!
نعم نؤيد أن (لكل مقام مقال) ويجب أن نحترم من يكون ذا منصب وجاه، لأن وضعه الوظيفي والاقتصادي يتحتم علينا أن نعطيه ما وصل إليه، وهذه تعتبر (مفاهيم بشرية) وسنة الحياة، ولكن الذي نتساءل عنه..
هل سوف يبادلنا نفس الشعور ويكن لنا كل احترام وتواضع؟
فالكسب الحقيقي هو الذكر الطيب!
فالمتكبرون مخلوقون من نطفة من ماء مهين وهي بداية خلقهم، وفي الآخرة مودعون!
مواقع النشر (المفضلة)