اضغط هنا لـ معرفة بقيـة القصـة
فرج عمل طباخاً في مطعم شعبي .. وعاش بزريبة في الصحراء[/size]
سعودي تائه في دبي منذ 40 عاماً
لا يعلم طريق ابنتيه يتمنى الموت بينهما في الدمام
فرج عبدالله مبارك
علي الزكري - دبي
ما إن علم أنني من الصحافة السعودية حتى قام فرج بن عبدالله مبارك من سريره في مستشفى راشد بدبي الذي يرقد فيه منذ سبعة أشهر ماداً يده مصافحاً وكله أمل ورجاء بأنني أحمل له معي بشارة من السعودية التي ينتظر رد الجهات الرسمية فيها للسماح له بالعودة ليقضي ما تبقى له من العمر وسط بناته وفي المنطقة التي أبصر النور فيها ويريد أن يودع النور فيها أيضاً.
أخبرته انني لا أحمل له أي بشارة وأنني هنا فقط في محاولة لمساعدته للوصول إلى مبتغاه فتنهد متحسراً، قائلاً أتمنى أن تساعدوني كي أرى بناتي وأنعم ببعض الوقت بجوارهن إلى أن يأخذ الله تعالى أمانته. سألته عن الرحلة وكيف فارق المملكة ولماذا لم يعد .. بدت الإجابة صعبة والجراح عميقة، والرحلة أشق من أن توصف وأصعب من أن تحكى. فقد طال العمر وضعفت الذاكرة وتناوبته الأمراض حتى لم يعد يذكر إلا القليل .. لكنه تمالك نفسه محاولاً استجماع ما تبقى في الذاكرة قائلاً: كنت أعمل في البحر في الصيد والغوص وساقتني الأقدار منذ عشرات السنين إلى دبي قبل أن توجد فيها الطرق والكهرباء وأي شيء آخر، بقيت هنا أعمل في الغوص وفي الصيد، وسرقتني السنين حتى وجدت نفسي كما ترى.
سألته هل تبقى من أهلك أو ممن تعرفهم أحد فقال: الجميع توفى فقد تركتهم منذ أربعين عاماً أو يزيد وليس لدي أي علم بأي شيء كل ما أعرفه أن ابنتي طيبة وخديجة تحلمان برؤيتي وقد جاءتا إلى هنا بحثاً عني لكن لم تجمعني بهما الأقدار.
سألته كل هذه السنوات لم تحاول زيارة أهلك لماذا؟ وبصراحة الذي لم يعد يخشى شيئاً قال فرج: « آه .. أغواني الشيطان، ولما قررت العودة كان الأوان قد فات » ... وليس لدي أوراق ثبوتية ولم يعد بالإمكان التنقل كما كان الأمر سابقاً بدون أوراق أو وثائق ... والمصيبة أنه حتى أوراق « الجنسية » التي حصلت عليها من دبي في الزمن الغابر تلفت مني فقد أخذها مني بعض الأصدقاء خوفاً على ضياعها وبدل أن يحفظوها في مكان آمن حفظوها في « فريزر » ثلاجة حتى انتهت وتمزقت ... أنا تائه وكل ما أفكر فيه هو رؤية بناتي والموت في بلدي.
سألته عن اسم زوجته وعما إذا كان يذكر أسماء بعض الجيران أو الأصدقاء فقال من المؤكد أن الجميع قد فارق الحياة الآن فقد تركتهم منذ زمن بعيد زوجتي اسمها زليخة بنت خيري بن شبيب، وكل من أعد أذكرهم هم: سعد الشروقي وعبدالله الشروقي وصالح الشروقي وعبدالله العادل وهم كلهم إخوان وأتوقع أن بعضهم قد فارق الحياة.
لكن كيف كانت حياتك هنا في الإمارات ومن أخبرك أن بناتك أتين لزيارتك ... يجيب فرج الجواب كله عند نواف الهاجري مظهراً قصاصة ورق صغيرة تحمل اسم نواف الهاجري ورقم تلفون ورقمين لشخص آخر اسمه فيصل راشد.
اتصلت بنواف الهاجري وسألته عن فرج فقال لي إنه يرقد في المستشفى قلت له أعلم ذلك وأنا أخذت رقمك منه فما هي حكايته فقال نواف أنا أعرف فرج منذ سنين وتعرفت عليه عندما كان يعمل طباخاً في مطعم بن عيد الشعبي بمنطقة الحمرية بدبي، فقد كنت أنا ووالدتي نذهب لنشتري بعض الأكلات الشعبية التي كان يطبخها فتقرب منا وتعرف علينا وصارت بيننا صداقة وظل يعمل في مطعم بن عيد الشعبي منذ 1987 حتى عام 1991-1992 أثناء أزمة الخليج تقريباً عندها مرض وكبر في السن فطرده المطبخ وأخذته ليبقى عندنا حيث لم يكن قادراً على العمل وهو مريض ويحتاج إلى رعاية عالجته وبقي معنا إلى أن تزوج أخي الذي كان يسكن معي في البيت نفسه فتركت البيت وبقي معنا فترة ثم فارقنا كما أن فرج لديه أوراق من محكمة دبي مؤرخة بالعام 1982 وفيها يشهد شخصان أنه موجود في دبي منذ 30 عاماً، وهذه الأوراق موجودة في ملفه بالمستشفى .. وقد زارتنا زوجته المطلقة مع زوجها مرة واحدة فقط وانقطعت عنا أخبارهم. وعلمت منهم أنه كان يعمل في شركة البترول في السعودية لكنه لم يكن مسجلاً عليها فقد كان يعمل كفرد في شركات الحفر التي كانت تتقاول من الباطن.
وذات مرة كنت ماراً بمنطقة الحمرية في الشارقة فوجدته وأخذته إلى بيتي وظل لدينا فترة ثم انتقل للإقامة في الصحراء في زريبة .. وقبل نحو أربعة أشهر تقريباً كنت ماراً بقرب الزريبة فرأيته يجلس تحت مظلة في مكان بعيد مريضاً ولم يتناول طعاماً منذ ثلاثة أيام وكان الجو شديد الحرارة حيث وصلت إلى 51 درجة والرجل يكاد يفارق الحياة .. أخذته كي أنقله للمستشفى وضعته في السيارة وعدت لأخذ غترته وملابسه فوجدته كان جالساً على ثعبان خطير وكبير وهو لم يكن يعلم. نقلته إلى المستشفى ومنذ تلك المدة تمت معالجته وليس لديه الآن مكان يذهب إليه وأنا لا استطيع أن استلمه أو أن استقبله في بيتي فالحال على قده.
قلت للهاجري أن فرج يزعم أن بناته أتين يبحثن عنه وأن هناك شخصاً اسمه سالم الشامسي قابلهن لكنه لم يكن يعرف مكان فرج فقال لي نعم هذا الكلام صحيح وأعطاني رقم سالم إبراهيم الشامسي .. واتصلت مباشرة بالشامسي فقال لي نعم جاءت ابنتاه للبحث عنه ولم أكن أعرف مكانه وأخذنا أرقامهن في السعودية لكن للأسف الخادمة أضاعت الأرقام.
سألته ماهي علاقتك بفرج فأجاب كنا نعمل معاً أيام الغوص والصيد وكنا نذهب في رحلات إلى البحر وننتقل بين السعودية والإمارات ودول أخرى وأذكر أننا عندما كنا نصل إلى السعودية كان يذهب إلى والدته ويأخذ لها سمكاً. فهو شخص جيد والناس هنا كلهم كانوا يحبونه وهو من قوم معروفين في السعودية.
حاولت الحصول على أي معلومات أخرى من الشامسي لكنه أعطاني رقم زوجته التي توجد في عجمان وقال أنها ربما تتذكر شيئاً وأن علي الإتصال بها ..
حاولت الإتصال بفيصل راشد الشخص الذي وجدت اسمه وارقامه في قصاصة ورق لدى فرج لكن الأرقام مغلقة.
وفي المستشفى يحظى فرج برعاية شاملة وكل زملائه في العنبر الذي يتواجد فيها يعطفون عليه وبينهم أحاديث ويتمنون مساعدته في الوصول إلى أهله الذين أكدوا إنه يذكرهم ليل نهار. ويبقى أن أشير إلى أن فرج يقضي أيامه مستمعاً للإذاعات السعودية وقد فؤجئت عند وصولي إليه أنه كان يستمع لفنان العرب محمد عبده .لأنه يجد في صوته رائحة المملكة.
جريدة اليوم[/color]
مواقع النشر (المفضلة)