الانسان من خلال لحظات حياته يصاب بالكثير من البلايا والرزايا وقد يبتلى بمواقف تجعله عاجزا عن اتخاذ أي شيء يمنع هذا البلاء، ولكن في نهاية الأمر تتحول هذه الآلام إلى لذة ونعمة إذا ما قرنها بذروة الارتباط بالمولى عز وجل فيبشره بمكانة عالية ومنزلة رفيعة يغبطه عليها الآخرون كما يقول المولى عز وجل: “في مقعد صدق عند مليك مقتدر”.
من القصص الرائعة في الثبات موقف الصحابى زيد بن ارقم رضي الله عنه في حادثة حولت حياته إلى هم وغم وحزن ففي احدى الغزوات التي خرج فيها النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، أصاب الجيش جوع وعطش شديد نتيجة الاجهاد وحر المقيظ، وكان من بينهم أناس من قبائل الاعراب الذين خرجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام فلما وصلوا إلى منابع الماء أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالنزول للتزود بالماء فقام عدد من الاعراب وسبقوا الآخرين إلى المكان ليملأوا قرابهم ثم آثروا أنفسهم على غيرهم واحاطوا الحوض بالحجارة وغطوها بالنطح والجلود ليمنعوا الآخرين من الشرب حتى يجيء أصحابهم من القبيلة نفسها ويتزودوا بالماء، فجاء احد الانصار يريد ان يشرب ويسقي ناقته، فمنعه أحد الأعراب ورفض ان يعطيه شيئا من الماء ومنع ناقته ان تقترب من الحوض، فانتزع الأنصاري الغطاء عنوة، فعمد الأعرابي إلى خشبة وضرب بها رأس الأنصاري حتى شجه، فحدثت مشادة بين الأعراب والأنصار حتى جاء أحدهم إلى عبدالله بن أبي رأس المنافقين فأخبره بما كان من أمر الأعراب واستئثارهم بالماء دون غيرهم، فقام ابن أبي غاضبا وقال في جمع من أصحابه: “لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله” وكان يقصد بهذا الأعراب لأنهم كانوا يحضرون عند النبي عليه الصلاة والسلام اثناء الطعام، ثم قال لأصحابه: “لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل” وكان يقصد محمدا عليه الصلاة والسلام وأنهم وجدوا الذل والهوان منذ قدوم النبي عليه الصلاة والسلام إليهم، فسمعه زيد بن أرقم وأخبر عمر بن الخطاب بما سمع فثار وأتى النبي عليه السلام واخبره بما سمع فنادى زيدا ليتأكد مما سمع فأخبره بما قاله ابن أبي عنه، فأرسل إلى عبدالله بن أبي وأصحابه فأنكر أنه قال ذلك وحلف باليمين انه لصادق وأشهد أصحابه بأنه لم يتفوه بهذا، بل واتهم زيدا بالكذب وأنه تقول عليه زورا وبهتانا بغية إثارة الفتنة، فصدقه النبي عليه الصلاة والسلام حتى قال الصحابة: إن زيدا قد كذب على رسول الله وجاء عم زيد إليه وعنفه فوقع على زيد بن أرقم من الهم والغم ما لم يقع على أحد وحزن كثيرا مما حدث واعتزل الناس وظل وحيدا لا يقرب أحدا منهم حتى أنزل الله تصديق زيد بما قاله في سورة (المنافقون)، وبينما زيد بن أرقم يسير مع النبي عليه الصلاة والسلام في السفر وهو حزين مهموم، إذ أتاه النبي على غفلة منه فعرك له أذنه وضحك في وجهه وقال له: أبشر يا زيد ثم انطلق حتى جاء وقت الصلاة وإذا به يقرأها، ثم دعا بالمنافقين واستغفر لهم.
الالتزام بالثبات عند الملمات والسكينة عند المدلهمات هما الزاد الحقيقي لمن أراد الايمان والتوفيق والرضا كما اخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام: “إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” (رواه مسلم)، فهو بهذا يزداد ايمانا وثباتا في مواجهة الصعاب لأنه يدرك ان ربه لن يحقق له إلا الخير فعليه ألا يتمرد على القدر ويعلن عجزه واستنكاره لأمر لم يرضه لنفسه أو استصعبه قلبه، ويضطرب جسده ويرتاب ويغدو في وسوسة سلبية حتى يشك في نفسه قبل الآخرين والآيات المحفوظة في كتاب الله تبين ذلك كما يقول المولى في إحدى الآيات: “ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم”.
مواقع النشر (المفضلة)