صنع المعروف والمبادرة إلى فعل الخيرات صفة مميزة لبعض من يعيش بين ظهرانينا، وهؤلاء حباهم الله عز وجل بهذه الروح المعطاء حتى يحملوا لواء الخير ليبقى للمجتمع تماسكه وتراحمه وتستمر دورة الحياة.
هؤلاء لا يفرقون في فعل الخير ومساعدة المحتاج بين القريب والغريب، فإذا كان طبيعيا أن ينهض المرء لمعاونة صديقه أو قريبه أو جاره، فإن المبادرة إلى مد يد العون إلى الغريب هو أمر لا يقدر على تحمله والتصدي له إلا أناس يتمتعون بقدر عال من صفاء النفوس والرغبة في البذل والعطاء من اجل الآخرين.
ولان طبيعة الإنسان لا تتجزأ وهي تعبر عن مجمل القيم التي يتبناها، فإن تصرفاته بالتأكيد ترتبط بشكل كامل بما يسيطر عليه من دوافع داخلية، تلك الدوافع التي تتحكم في توجهه في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن ثم فكل منا لا يتصرف إلا تعبيرا عن نفسه وكما يقول المثل فإن (كل إناء ينضح بما فيه).
ولذلك فان الإنسان الخير لا يملك إلا أن يجد نفسه مدفوعا دفعا نحو فعل الخير وتبني مشكلات الآخرين بقلب يملؤه الحماس والصدق لحلها وحتى إن كلفه ذلك البذل من جهده وماله فإنه لا يهتم إلا بإحساسه بالرضا عن نفسه وانه لم يتخل عن إنسان كان في محنة، وهو يفعل ذلك بحب ورغبة حقيقية في العطاء دون انتظار لمقابل أو كلمة شكر.
الإنسان المعطاء هو إنسان يمتلك مشاعر رقيقة ترق وتتعاطف مع أي شخص يمر بمحنة ما أو يحتاج الى العون، وهو لذلك إنسان يحافظ على جوهر دينه الذي يأمرنا فيه تبارك وتعالى بان يكون المؤمن دوما في عون أخيه، وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
ومثل هؤلاء الناس لا يتغيرون ولا تتبدل مواقفهم ولم يسمحوا للنظرة المادية وحسابات المصلحة والمكسب والخسارة التي تسيطر على توجهات الكثيرين في عصرنا الحالي بأن تغير سلوكياتهم أو أن تحرف وجهتهم ولو قليلا عن اتجاهها الصحيح، فهم على قناعة بأن ما يفعلونه سيرده الله سبحانه وتعالى عليهم أضعافا مضاعفة من نعمه وفضله العظيم.
ما يصنعه هؤلاء من معروف في حق البعض تختلف ردود فعل الناس بشأنه فمنهم من يحفظ الجميل ويظل طيلة حياته ممتنا لمن أسدى إليه جميلاً ولا يترك فرصة ولا مجالا إلا ويذكر حسن صنيعه له محاولا بشتى الطرق رد الجميل ولو بالقليل مما يملك، وبالتأكيد فإن من يحفظ الجميل لأصحابه هو أيضا إنسان ذو معدن طيب يعطي للناس حقهم ويقدر صنيعهم، وهذا التقدير يخلق مساحة عالية من التقارب والود بين الناس ويوطد أواصر المحبة والتماسك.
وفي مقابل هذا وذاك نجد النقيضين فهناك قساة القلوب ممن لا ترق مشاعرهم لأحد حيث يلتزمون بقاعدة “فلأعش أنا وليكن من بعدي الطوفان” فيتصرفون بأنانية مفرطة تمنعهم من مد يد العون الى المحتاج وحتى ان فعلوا فإما أن يكون ذلك من باب الرياء والتباهي والتفاخر أمام الناس، أو أن يكونوا مدفوعين بمصالح تربطهم بهذا أو ذاك.
وعلى شاكلة هؤلاء من لا يحفظون للناس مواقفهم ولا يقدرون عظيم صنيعهم، وكم رأينا من مواقف وأحداث تنم عن مقابلة المعروف بالجحود، والإحسان بالاساءة ومثل هؤلاء لا يعبرون إلا عن طبيعة بشرية يشوبها الكثير من الخلل وعدم التوازن وما يفعلونه لا يخصم في النهاية إلا من رصيد تفاعلهم في مجتمعهم..
مواقع النشر (المفضلة)