حقيقة النمص المحرم
لما كان وجه المرأة هو مكمن الجمال منها، فإنها تحرص دائما على أن يحتفظ بهذا الجمال ما وسعها ذلك، وهي في سبيل ذلك قد تلجأ إلى ما تعتقد أنه يظهر حسنها وربما كان ضارا ببشرتها ضررا بينا، ومن ذلك: ما تقدم عليه بعض النساء من الإفراط في استعمال الكريمات بدعوى أنها تبيض البشرة، أو قشر الوجه لإزالة النمش والبقع الشمسية، أو إزالة الشعر من مواطن عدة من الوجه، ولا يخفى إضرار ذلك كله ببشرتها، وفي هذه العجالة أبين حقيقة النمص وحكمه، والنمَص في اللغة: هو رقةُ الشعر ودِقتُه حتى يكون كالزغَب، ويطلق على نَتْفُ الشعر، يقال: تَنَمصت المرأَة: إذا أَخَذت شعر جَبِينِها لتنتفه، والنامِصةُ: المرأَة التي تُزَينُ النساء بالنمْص، والنامِصةُ التي تنتف الشعر من الوجه، والمُتَنَمصةُ: هي التي تفعل ذلك بنفسها؛ وظاهر هذا أن أهل اللغة يطلقون النمص على إزالة الشعر من الوجه مطلقا أعم من أن يكون من الحاجبين أو من غيرهما، وقد وردت أحاديث عدة في النهي عن النمص، ولذا اتفق الفقهاء على حرمته، ومن هذه الأحاديث: ما روي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: “لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو في كتاب الله ؟، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه: قال الله عز وجل: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” فقالت المرأة: “فإني أرى شيئا من هذه على امرأتك الآن، قال: فاذهبي فانظري، فدخلت على امرأة عبد الله، فلم تر شيئا فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها”، وروي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) “قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى عن النامصة والواشرة، والواصلة والواشمة إلا من داء”، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والموشومة من غير داء”، ( والواشمة: المرأة التي تتولى وشم غيرها، والمستوشمة التي تطلب أن يفعل بها ذلك، والواصلة: هي التي تتولى وصل شعر غيرها بشعر أو ألياف طبيعية أو صناعية، سواء على هيئة باروكة أو غيرها، والمستوصلة: هي التي تطلب وصل شعرها بغيره، والواشرة: هي التي تقوم ببرد أسنانها لتفليج ما بينها ابتغاء الحسن)، وقد اختلف في حقيقة النمص المحرم: فيرى الحنفية أنه الذي تفعله المرأة للتبرج والتزين للأجانب، أو تفعله من غير ضرورة أو حاجة إليه، أما ما تفعله بقصد التزين لزوجها فلا يحرم، فإذا كان في وجهها ما ينفر زوجها منها فإن لها إزالته، كما لها إزالة ما نبت في وجهها من لحية أو شارب أو عنفقة ويستحب لها فعل هذا، ولا يدخل في النمص المحرم، ولها كذلك أن تأخذ من شعر حاجبيها وغيره مما نبت بوجهها ما لم تتشبه بالمخنثين، ويرى المالكية أن النمص المحرم هو نتف الشعر من الوجه، لما فيه من التدليس بتغيير خلق الله تعالى، ومذهب الشافعية أن النمص المحرم: هو ترقيق الحاجبين إلى أن يصيرا كالقوس أو الهلال ابتغاء للحسن، إذا كان هذا بغير إذن الزوج، وهذا يقتضي أنه يجوز إن طلب منها ذلك أو أذن لها فيه، لأن ذلك من حسن التبعل له، وقد يكون له غرض صحيح شرعا في تهذيبها شعر حاجبيها، ولا يعد من النمص المحرم إزالتها شعر اللحية والشارب والعنفقة، سواء كانت متزوجة أو لا، ولم ير جمهور الشافعية بأسا بتهذيب الحاجبين إذا طالا، وكرهه النووي لما فيه من تغيير الخلقة، ويرى بعض الحنابلة أن النمص المحرم هو نتف شعر الوجه، أما حلقه فلا بأس به، لأن الخبر إنما ورد في النتف دون غيره من أنواع الإزالة، ويرى بعضهم أن المحرم من النمص هو ما تفعله المرأة قبل رؤية زوجها لها، لما فيه من التدليس عليه، فإن رآها قبل أن تزيله ثم أزالته بعد فلا بأس به، وقال ابن الجوزي: إن النهي عن النمص في الأحاديث محمول على ما كان منه بقصد التدليس أو ما تفعله المرأة تشبها بالنساء الفاجرات، ومعنى هذا أنهم لا يمنعون إزالة شعر الوجه بغير النمص، وأن منهم من يجيز النمص إذا لم يقصد به التدليس أو التشبه بالفاجرات، ويرى الظاهرية حرمة إزالة الشعر من الوجه مطلقا، سواء كان الشعر المزال من الحاجبين أو من غيرهما، وسواء كان ابتغاء للحسن أو غيره، وسواء كانت المرأة ذات زوج أو غيره، لما فيه من تغيير الخلقة الذي نهى الله عنه، وبعد تقرير الخلاف بين الفقهاء في حقيقة النمص المحرم، يتضح أن مأخذهم في تحريم ما يحرم منه أنه تغيير لخلق الله تعالى، فضلا عما يتضمنه من التدليس على الغير بهذا المظهر، وكلاهما منهي عنه شرعا، إذ قال الحق سبحانه حكاية عما قاله إبليس: “ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا”، حيث دلت الآية الكريمة على حرمة تغيير خلق الله تعالى، وروي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “من غشنا فليس منا”، وهو يتضمن حرمة التدليس، ومن ثم كانت حرمة النمص لما يترتب عليه من ذلك، ويتضح بعد هذا البيان أنه لا يعد من النمص المحرم عند جمهور الفقهاء: تهذيب المرأة شعر حاجبيها تجملا لزوجها إن كانت ذات زوج، إذا أذن لها فيه ولم يصل هذا التهذيب إلى حد ترقيقهما بحيث صارا كالهلال، ولا يعد من النمص المحرم عندهم كذلك إزالة شعر اللحية أو الشارب أو العنفقة، إذا نبت هذا للمرأة وإن لم تكن ذات زوج، لأنه ليس فيه تغيير للخلقة، لأن سمت الكثيرات من النساء عدم نبات ذلك بوجوههن، فضلا عما يسببه بقاء ذلك بوجه المرأة من إلحاق الضرر بها والنفرة منها، ومن قواعد الشريعة “الضرر يزال”، ولتعلم كل من تبالغ في النماص ابتغاء للحسن، أنه يعود عليها بضد مبتغاها منه، ولذا وجب الاقتصار فيه على ما تندفع به الحاجة إليه في الحالات التي يجوز فيها، وعدم تجاوزها إلى غيرها، لأن ما جاز للضرورة أو الحاجة لا يعدو موضعهما، كما أن الضرورة أو الحاجة يقدران بقدرهما، وفقا لما قررته قواعد الشريعة.
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)